ادعمنا

التطور التاريخي للوظيفة القنصلية وتنظيمها - Historical Development and Organization of the Consular service

لقد اختلف مفهوم العلاقات القنصلية باختلاف الزمان والمكان والحضارات، فكان مفهومها يتسع باتساع نطاق التبادل التجاري بين الدول، واما مضمونها وحجمها فكانا يتطوران بتطور مضمون العلاقات الدولية وحجمها، كما تميز تاريخ العلاقات القنصلية أيضا بتنوعه وغناه بسبب اتصال جذوره بمنابع عدة دبلوماسية وسياسية وتجارية وحتى قضائية......الخ.

 

1- مراحل تطور الوظيفة القنصلية:

ا- العمل القنصلي في الحضارات القديمة:

منذ ستة قرون قبل الميلاد، منح المصريون اليونانيون الذين كانوا يقيمون في نواراتيس (مصر ) الحق بأن يختاروا بأنفسهم قاضيا لهم يعهد إليه مهمة حل في ما يثور بينهم من نزاعات وكذا يطبق عليهم قوانينهم الوطنية، وفي تلك الحقبة من الزمن ظهر هذا النظام في الهند أيضا حيث وجد قضاة خواص مكلفون بالسهر على حماية مصالح الأجانب، و اما في عهد الإغريق القدماء لم يتمتع الأجانب بحماية من قبل هيئات السلطة العامة، ولكن سمح لهم باختيار احد مواطنيهم ليقوم بحمايتهم ورعاية مصالحهم، وقد عرف هؤلاء الحماة باسم (Prostates) وكلف هؤلاء بمهمة الوسطاء عن مواطنيهم في إطار الشؤون القضائية والعامة لدى سلطات المدينة التي كانوا يقيمون فيها.

كما عرفت المدن اليونانية نموذجا آخر من النماذج الحماة أطلق عليه "حامي الجماعة الأجنبية" (Proxene) وكان الأجانب يختارون هذا الحامي من بين المواطنين الإغريق ومهمته هي حماية الأجانب أثناء إقامتهم في المدينة اليونانية و تقديم النصائح والتوجيهات لهم، وتمثيلهم لدى الحاكم والجمعيات الوطنية، وكذلك تسهيل بيع البضائع التي يستوردها، وتقديم السفراء الموفدين من بلاد هذه الجماعة (الأجانب) إلى السلطات المحلية، وبالإضافة إلى ذلك كان يقوم بتحضير المعاهدات المقرر إبرامها بين بلده والبلد الذي يتولى مهمة مصالحه ويذكر بان (Proxene) يشبه القناصل الفخريين:

وقد ظهر لدى الرومان مؤسسات شبيهة بالمؤسسات اليونانية، فأطلقوا على الأولى اسم "نظام الحماة" Patronat والثانية أطلق عليها "البريتو" أي القاضي  Praetor Progrrims هذا القاضي كلف بمهمة تسوية المنازعات التي تثور بين الأجانب وبين المواطنين الرومان، وغالبا ما كان يطبق على الأجانب قانونا خاصا يسمى بقانون الشعوب Jus Gentium  وكان هذا القانون يضم مبادئ مستمدة من جهة من القوانين الوطنية للبلاد الأجنبية ومن جهة أخرى مستمد من القواعد العرفية التي نشأت وتطورت مع تطور العلاقات التجارية الدولية.

كما أن المدن التجارية الرومانية في الشمال (فينيسيا بيزوجين) و في الجنوب (امالفي Amalfi ونابولي)، أخذت ابتداء من القرن الثاني عشر توفد وتستقبل القناصل الذين كانت لهم صلاحيات اقتصادية بالإضافة إلى اختصاصات أخرى تتعلق بالأمور القضائية والسياسية.

وفي الأصل هذا القنصل المسمى بالقنصل القاضي أو القنصل التاجر كان مفوضا عن مجموعة من التجار أو عن مدينة تجارية، ويعهد إليه بان يحكم في المنازعات التي تثور بين الأجانب وتجار المدينة التي يقيمون فيها.

وتحت اسم قنصل "ما البحار"، تم إيفاد قناصل إلى المدن والموانئ الأجنبية للإمبراطورية البيزنطية ودول الشرق الأوسط وذلك خلال القرنين الحادي عشر والثالث عشر وبعد ذلك اخذ هذا النظام بالتوسع: فأول قنصل أجنبي اعتمد لدى انجلترا أرسل من فينيسيا عام 1411 وأول قنصل انجليزي عين في الخارج أرسل إلى بيز Pise عام 1485م.

ومع اختفاء النظام الإقطاعي وتركيز السلطة في يد الملوك في القرن السابع عشر اخذ النظام القنصلي صفة رسمية وفقد سلطته القضائية، ولم يبق للقنصل سوى الحفاظ على المصالح الاقتصادية للدولة الموفدة ورعاياها، أي أصبح القنصل ممثلا لدولته – ممثلها الرسمي- ويسمح له بممارسة بعض الوظائف ذات الطبيعة الدبلوماسية، وبذلك أصبح يتمتع ببعض الامتيازات والحصانات.

ويذكر بأنه بعد ظهور البعثات الدبلوماسية الدائمة في أعقاب إبرام معاهدة وستفاليا عام 1648م تقلصت صلاحيات القناصل حيث منعت معاهدة وستفاليا، هؤلاء من ممارسة الوظائف الدبلوماسية.

ابتداء من القرن السابع عشر اتخذت الدول إجراءات من شانها تنظيم الخدمات القنصلية بواسطة التشريعات الوطنية و أول تنظيم لذلك كان في عهد الوزير الفرنسي كوليبرت عام 1681م، حيث صدر مرسوم البحرية L’ordonnance de la Marine  حيث احتل التنظيم القنصلي الجزء الأكبر من المرسوم. 

وإذا أردنا أن نتتبع النظام القنصلي منذ ذلك التاريخ فسنجد انه تطور في الغرب على نحو يختلف عن تطوره في الشرق، وتفصيل ذلك أن نظام الدولة كان يزداد قوة يوما بعد يوم في الغرب ولذا استطاعت الحكومات المركزية أن تنتزع لنفسها سلطان القضاء وان تفرض قوانينها على جميع المقيمين في إقليمها الأمر الذي افقد القناصل اختصاصهم الرئيس كقضاة للتجار وجعل أمر اختيارهم للدولة التي تعينهم لحماية مصالحها الاقتصادية والتجارية ومصالح رعاياها في الخارج، أما في الشرق الإسلامي فكان الأمر على العكس، إذ أن نظام الدولة يسير نحو الانحلال واقترن هذا بتسامح الحكام في تطبيق قوانين غير إسلامية عل غير المسلمين من الذميين والمستأمنين مما هيا الفرصة لقناصل المستأمنين للعمل على توسعة اختصاصهم على نحو خطير، فاحتفظوا بسلطان القضاء بين مواطنيهم معتمدين في ذلك على نظام الامتيازات، على أن بلاد الشرق جاهدت حتى تخلصت من نظام الامتيازات وكافة آثاره، فأصبح النظام القنصلي يسير فيها الان على نحو ما هو مرسوم له من مبادئ عامة في المعمورة.

ب- العمل القنصلي في العصر الحديث:

يذكر أنه مع بزوغ القرن العشرين فإن أغلبية الدول بدأت تصدر إجراءات تشريعية وقوانينها الداخلية لتنظيم خدماتها القنصلية وهذا لما أصبحت الدول ترتبط بمجموعة كبيرة من المعاهدات القنصلية الثنائية، وتميز القرن العشرين بالتقدم التقني الذي بلغه الإنسان في شتى الحقول كحقل الطيران المدني وحقول الاتصالات السلكية واللاسلكية وكذا الإعلام المسموع والمنظور وحقل الاكتشافات العلمية ، وكان لابد لهذا التطور أن يؤثر على العلاقات الدولية التي نمت بشكل سريع ضمن مجتمع دولي حاول ولا زال يحاول أن يحد من النزاعات بين الأفراد وأن يسعى في حال حصولها، لحلها بالطرق السلمية مشجعا بذلك العلاقات الودية بين الدول والشعوب عن طريق تعاونها الوثيق في الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية، و قد تزايد عدد الدول المستقلة في القرن العشرين وتساوت جميعها أمام القانون الدولي في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن حجمها وغناها، إلا أن النفور المهم الذي حصل بعد عام 1963 وعلى إثر موافقة الكتلتين على الأحكام القنصلية المعقودة بين دول تنتمي للدول الغربية ودول تنتمي للكتلة الشرقية مما أدى إلى ازدهار العلاقات القنصلية وإرساء قواعدها على أسس راسخة، ومن بين هاته المعاهدات مايلي:

- الولايات المتحدة الأمريكية و موسكو 01 يونيو 1994 م.

- المملكة المتحدة و موسكو 02 نوفمبر 1965 م. 

وإذا ما حصرنا حالة العمل القنصلي في هاته الفترة فتتمثل من خلال:

1- إنشاء البعثات القنصلية: ان حق إنشاء البعثات القنصلية مقرر للدول الكاملة السيادة باعتباره احد مظاهر ممارستها لهذه السيادة، ولذلك يحق لهذه الدول ممارسة هذا الحق في صورته الايجابية وهي حق إيفاد بعثات قنصلية إلى الخارج، ولها الحق في ممارسته في صورته السلبية وهي حقها في استقبال البعثات القنصلية الأجنبية.

- و من المستقر عليه علميا أن الدول التي تتبادل التمثيل الدبلوماسي يكون مؤدى ذلك ضمنا أنها وفقت على تبادل التمثيل القنصلي بين دولتين لا يعني بالضرورة قيام علاقات دبلوماسية بينهما، لان العلاقات الدبلوماسية بالنسبة للعلاقات القنصلية بمثابة الأصل بالنسبة للفرع.

 - بيد أن ما تقدم ليس قاعدة عامة لا تقبل الاستثناء حيث يجوز للدولتين الاتفاق على تبادل العلاقات الدبلوماسية بينهما دون تبادل التمثيل القنصلي بينهما دون وجود أدنى مسؤولية دولية على أي من هاتين الدولتين ولكن الدولة التي لا ترسل بعثات قنصلية لها إلى دول أخرى، تعامل بالمثل من جانب هذه الدول، وبالتالي تحرم نفسها من أوجه التعاون الثقافي والاجتماعي والتجاري والاقتصادي مع هذه الدولة.

- ويتم إنشاء البعثات القنصلية عن طريق الاتفاق بين الدولة الموفدة والدولة الموفد لها ويبين الاتفاق درجة البعثة القنصلية من حيث كونها قنصلية عامة، أو قنصلية أو نيابة قنصلية، أو وكالة قنصلية، ويبين كذلك دائرة اختصاصها إلا بعد الحصول على موافقة الدولة إليها.

وقد نصت المادة الرابعة من الاتفاقية فيينا لعام 1963 للعلاقات القنصلية على:

ا- لا يمكن إنشاء بعثة قنصلية على أراضي الدولة الموفد إليها إلا بموافقة هذه الدولة.

ب- يحدد مقر البعثة القنصلية، ودرجتها، ودائرة اختصاصها بمعرفة الدولة الموفدة، وبعد موافقة الدولة الموفد إليها.

ت- ينبغي كذلك الحصول على موافقة الدولة الموفد إليها إذا رأت قنصلية عامة، أو قنصلية، افتتاح نيابة قنصلية، أو وكالة قنصلية في منطقة غير التي توجد فيها.

ث- وينبغي أيضا الحصول على موافقة صريحة وسابقة من الدولة الموفد إليها لفتح مكتب يكون تابعا لقنصلية قائمة ولكن خارج مقرها.

- تعيين رؤساء وأعضاء البعثات القنصلية:

يعين رؤساء البعثات القنصلية من قبل الدولة الموفدة ويجاز لهم ممارسة وظائفهم من قبل الدولة المضيفة، ومع مراعاة أحكام هذه الاتفاقية، فإن أصول تعيين وقبول رئيس البعثة القنصلية تحددها قوانين وأنظمة وعادات الدولة الموفدة والدولة المضيفة.

ويتم قبول رئيس البعثة القنصلية في الدولة المضيفة إذا منح البراءة القنصلية exequatur أي إجازة ممارسة لأعماله القنصلية من قبل السلطة المختصة في هذه الدولة، وتصدر البراءة القنصلية إما بوثيقة مستقلة أو تحرر على صورة خطاب التفويض نفسها أو في أي صورة أخرى. ويجوز للدولة المضيفة أن ترفض منح البراءة القنصلية لأي سبب تراه وتشمل هذه البراءة متى صدرت الاعتراف لكل أعضاء البعثة القنصلية التابعة لرئيس البعثة بحقهم في مباشرة مهامهم من دون حاجة إلى براءات خاصة، وللدولة المضيفة أن تسحب البراءة القنصلية إذا صدر عن البعثة أو رئيسها تصرفات ماسة بأمنها ومخالفة لتشريعاتها أو لأسباب سياسية، ويترتب على سحب البراءة انتهاء الصفة الرسمية للبعثة القنصلية المعنّية.

2- وظائف البعثات القنصلية: تشمل الوظائف القنصلية حسب ما جاء في المادة الخامسة من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 ما يلي:

‌أ- حماية مصالح الدولة الموفدة ومصالح رعاياها (الأشخاص الطبيعيين والمعنويين) في الدولة المضيفة وذلك في الحدود التي يسمح بها القانون الدولي.

ب- تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولتين الموفدة والمضيفة وتعزيز العلاقات الودية بينهما بكل وسيلة أخرى في إطار أحكام هذه الاتفاقية.

ج- التعرف بكل الوسائل المشروعة إلى الأحوال التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية وتطورها في الدولة المضيفة ووضع التقارير عن هذا الموضوع لحكومة الدولة الموفدة وتزويد أصحاب المصالح بالمعلومات.

د- منح الجوازات ووثائق السفر لرعايا الدولة الموفدة وكذلك السمات والمستندات اللازمة للأشخاص الذين يودون التوجه إلى الدولة الموفدة.

ه- تقديم المساعدة والإعانة إلى رعايا الدولة الموفدة سواء أ كانوا أشخاصا طبيعيين أم معنويين.

و- القيام بأعمال الكاتب العدل والمسجل المدني وممارسة الوظائف المشابهة وكذلك القيام ببعض الأعمال ذات الطبيعة الإدارية، شرط أن لا يكون في قوانين الدولة المضيفة وأنظمتها ما يمنع ذلك.

ز- حماية مصالح رعايا الدولة الموفدة (الأشخاص الطبيعيين والمعنويين) في قضايا التركات في إقليم الدولة المضيفة وفقا لقوانين هذه الأخيرة وأنظمتها.

ح- حماية مصالح الرعايا القاصرين أو ناقصي الأهلية من رعايا الدولة الموفدة خصوصا عندما تكون الوصاية أو الولاية مطلوبة، وذلك في حدود قوانين الدولة المضيفة وأنظمتها.

ط- القيام، مع مراعاة قواعد التعامل والإجراءات المتبعة في الدولة المضيفة، بتمثيل رعايا الدولة الموفدة، أو اتخاذ القرارات لتأمين تمثيلهم المناسب أمام المحاكم أو السلطات الأخرى في الدولة المضيفة، من أجل الحصول، وفقا لقوانين الدولة المضيفة وأنظمتها، على إجراءات مؤقتة للمحافظة على حقوقهم ومصالحهم، عندما لا يكون بإمكانهم، بسبب تغيبهم أو لأي سبب آخر، الدفاع في الوقت المناسب عن حقوقهم ومصالحهم.

ي- تحويل المستندات العدلية وغير العدلية أو تنفيذ الاستجابات وتكاليف أخذ الشهادة نيابة عن محاكم الدولة الموفدة وفقا للاتفاقات الدولية المرعية الإجراء، وفي حال عدم وجودها، بأية طريقة تتلاءم مع قوانين الدولة المضيفة وأنظمتها.

ك- ممارسة حقوق الرقابة والتفتيش التي تنص عليها قوانين الدولة الموفدة وأنظمتها بالنسبة إلى السفن البحرية والنهرية التي تحمل جنسية هذه الدولة والطائرات المسجلة فيها، وبالنسبة إلى ملاحيها.

ل- تقديم المساعدة إلى السفن والطائرات المذكورة في الفقرة السابقة (ك) من هذه المادة، وتلقي التصاريح حول سير هذه السفن والتدقيق في أوراقها وختمها خلال الرحلة، دون المساس بصلاحيات سلطات الدولة المضيفة، وفض المنازعات بمختلف أنواعها بين الربان والضباط والبحارة في حدود ما تسمح به قوانين الدولة الموفدة وأنظمتها.

م- ممارسة كل الوظائف الأخرى التي تعهد بها الدولة الموفدة إلى البعثة القنصلية، ولا تكون مخالفة لقوانين الدولة المضيفة وأنظمتها أو لا تعترض عليها هذه الدولة، أو تكون واردة في الاتفاقات الدولية المرعية الإجراء بين الدولتين الموفدة والمضيفة.

 

2- تنظيم الوظيفة القنصلية:

اعتمد العمل القنصلي فترة طويلة من الزمن على القواعد العرفية التي استقرت من خلال الممارسات اليومية للدول بحيث باتت ملزمة لها، تراعيها ولا تخرج عليها، ومع ذلك عملت دول عديدة على تنظيم علاقاتها القنصلية وضبطها بقواعد مكتوبة، فكانت التشريعات الوطنية والمعاهدات الثنائية والاتفاقيات الجماعية.

أ- التنظيم القانوني للوظيفة القنصلية:

ا- من خلال التشريعات الوطنية: منذ أواخر القرن الثامن عشر أخذت الدول المختلفة تعني بتنظيم العمل القنصلي بإصدار التشريعات الوطنية التي تحدد مهامه وتبين القواعد المرتبطة بممارسته، من ذلك قيام فرنسا في عامي 1778،1781 بوضع قوانين ولوائح في هذا "خصوص ثم أعادت النظر فيها عام 1883، وقيام الولايات المتحدة عام 1792 بوضع أول تشريع خاص بالقناصل، وتلتها بروسيا عام 1796 ثم مملكة سردينيا عام 1815 وروسيا عام 1820 وبريطانيا عام 1825 وهولندا عام 1838 وكولومبيا عام 1866 والاتحاد الجرماني عام 1867 وبارجواي عام 1871، وإمارة موناكو عام 1878 ورومانيا عام 1880 وبوليفيا 1887 وجواتيمالا عام 1892 وجمهورية سان مارينو في نفس العام وبيرو عام 1898 واليابان عام 1899.

وتكمن أهمية هذه التشريعات في أنها ساهمت في خلق نوع من الالتزام الذاتي من جانب كل دولة، وأكدت على تلك القوانين المنسجمة مع القواعد الدولية العرفية المتعلقة بالعمل القنصلي، وثبتت الكثير من تلك القواعد من خلال النص عليها في القوانين المحلية، ثم إن هذه القوانين بتنظيمها لهذا العمل أصبحت احد مصادر القواعد القنصلية الأساسية.

ب- من خلال المعاهدات الدولية:

-  المعاهدات الثنائية:

أدى ازدياد اهتمام الدول بالتجارة الدولية ونمو العلاقات القنصلية وتضاعف عدد البعثات القنصلية، إلى الاتجاه نحو تنظيم هذه العلاقات بتوقيع المعاهدات الثنائية التي أكدت ما استقر عليه العرف الدولي وما نصت عليه التشريعات الوطنية.

لقد شهد القرن الثامن عشر توقيع عدد من الاتفاقيات كاتفاقية باردو عام 1769 بين فرنسا واسبانيا لتحديد الحصانات القنصلية وشروط تطبيقها، لكن القرن التاسع كان أوفر حظا حيث كانت المعاهدات القنصلية الثنائية أوسع انتشارا، فقد تخطت حدود القارة الأوروبية إلى الأمريكيتين، ووضعت بعض الاتفاقيات والمعاهدات التجارية قواعد دولية هامة كمنح الامتيازات على أساس المعاملة بالمثل، وشرط الدولة الأكثر رعاية كالاتفاقية الموقعة بين بريطانيا والدولة العثمانية عام 1809، وبريطانيا Nation Clause، والمكسيك عام 1826، وهولندا والمكسيك عام 1827، وروسيا والولايات المتحدة عام 1832 وفرنسا وبريطانيا عام 1860، وبريطانيا وايطاليا عام 1863، وفرنسا والولايات المتحدة عام 1878، وفرنسا والسويد والنرويج عام 1881.

وفي القرن العشرين ومع ازدياد عدد الدول المستقلة وتزايد حجم التعاون الدولي ازدهرت العلاقات القنصلية، وبرز ذلك بوضوح في انتشار المعاهدات القنصلية الثنائية وازدياد عدد البعثات القنصلية بشكل واضح لم يسبق له مثيل من قبل، ولقد تعددت حاجات المواطنين في الخارج وتنوعت العلاقات الاقتصادية والتجارية و الثقافية، الأمر الذي اقتضى انتشار العمل القنصلي وازدهاره واتساع نطاق المهام القنصلية لتواجه متطلبات هذا التطور الكبير في العلاقات الدولية، وان كان هذا العمل قد تأثر في أحيان كثيرة بالنزاعات والصراعات بين الدول التي تقضي بقطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية.

- المعاهدات الجماعية:

منذ أوائل هذا القرن أصبحت العلاقات التجارية والاقتصادية أكثر تعقيدا من قبل الأمر الذي كان يعني بالضرورة بذل جهد جماعي لتنظيم العمل القنصلي، وقد بدأت دول أمريكا اللاتينية السير في هذا الاتجاه بتوقيع اتفاقية هافانا عام 1928، وتشتمل على 25 مادة تحدد القواعد الأساسية لتبادل التمثيل القنصلي بين هذه الدول في ضوء ما استقر عليه العرف الدولي، ومعاملة الممثلين القنصليين وحصاناتهم وامتيازاتهم، ثم كان توقيع اتفاقية فينا للعلاقات القنصلية في عام 1963 وبرتوكولين اختيارين بشأن اكتساب الجنسية والتسوية الالزامية للمنازعات، وتقدم هذه الاتفاقية تدوينا لكثير من قواعد العمل القنصلي التي استقرت في العرف الدولي والتشريعات الوطنية والمعاهدات الثنائية، وتبقى الباب مفتوحا لقيام الدول بإبرام الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الاطراف في أية جوانب أخرى مكملة.

ب- التنظيم العضوي للوظيفة القنصلية:

ا- قوام البعثة القنصلية: وتتكون البعثة القنصلية من ما يلي:

- رئيس البعثة القنصلية ويكون بدرجة قنصل عام، أو قنصل خاص أو نائب قنصل أو وكيل قنصل ويسبق درجة من هؤلاء الدرجة التي تليه، وفي حالة التساوي في الدرجة، تكون الأسبقية لمن سبق له الحصول على البراءة القنصلية أو الإذن المؤقت، فان تساويا في ذلك، كون الأسبقية لمن قامت الدولة الموفدة بإخطار الدولة الموفد إليها بأوراق تعيينه أولا .

- عدد من الأشخاص القنصليين الذين يشغلون إحدى الدرجات القنصلية مثل مساعد قنصل، ونائب قنصل، وملحق، ويساعد هؤلاء رئيس البعثة في أداء مهام عملها وفي حالة غياب رئيس البعثة يتولى أقدم الأعضاء القنصليين رئاسة البعثة أو من تختاره الدولة الموفدة لذلك.

- عدد كافي من الموظفين الإداريون والفنيون والعمال والحراس، وهؤلاء ليسوا من ذوي الدرجات القنصلية، وإما يباشرون أعمالهم تحت رئيس البعثة أو احد الأعضاء القنصليين ويجب أن يكون حجم البعثة القنصلية متناسبا مع حجم العلاقات التجارية والثقافية والاقتصادية بين الدولة الموفدة والدولة الموفد لديها، ومتناسب كذلك مع رعايا الدولة الموفدة لدى الدولة الموفد لديها.

- القناصل الفخريون: هم الأشخاص الذين تعهد إليهم الدولة الموفدة بالقيام بالأعمال القنصلية لدى الدولة الموفد إليها، وهذا الشخص (القنصل الفخري) قد يكون من رعايا الدولة الموفدة ومقيم إقامة دائمة في الدولة الموفد إليها، وقد يكون من رعايا دولة ثالثة ومقيم بصفة دائمة في الدولة الموفد إليها.

والقنصل الفخري لا يتقاضى أي راتب عن هذه الأعمال القنصلية التي يقوم بها من الدولة الموفدة بل تصرف له مكافئة كما أنَّه لا يتمتع بالحصانات والامتيازات القنصلية المقررة للقناصل المعينين ولذلك يجوز لهذا القنصل أن يمارس التجارة والنشاط الحر الشخصي داخل الدولة الموفد إليها.

ب- طبيعة وحدود ممارسات البعثة القنصلية:

- طبيعة المهمة القنصلية: تدور المهمة القنصلية حول رعاية المصالح غير السياسة بين بلدين تقوم بينهما علاقات معينة، وذلك لارتباطها بوجود الجاليات الأجنبية في الدول المختلفة، وممارسة هذه الجاليات

للنشاطات التجارية، ثم ازدهار التجارة الدولية فيما بعد كما أشرنا، وهذا التركيز على جانب معين في الحياة الدولية هو الذي جعل المهمة القنصلية تختلف عن المهمة الدبلوماسية رغم التداخل الذي نشا بينهما في بعض الفترات التاريخية.

كذلك لابد من ملاحظة أن ما يدخل في نطاق المهمة القنصلية وبخاصة في ممارستها الأولى أي في بداية نشأة العمل القنصلي، يقع أساسا ضمن نطاق الاختصاص المحلي لكل دولة، وهذا يفسر اعتبار قيام القناصل بها بمثابة انتزاع لهذا الاختصاص من الدول التي يعملون فيها. ولهذا نجد أن هذه المهمة من حيث تحديدها وما يرتبط بها من خدمات محكومة أساسا بالتشريعات الداخلية للدول وعلى نحو دقيق، كما أنها تنظم بعقد الاتفاقات الدولية ولهذا تستمر العلاقات القنصلية بين الدول رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية .وتحرص على تنظيمها في مثل هذه الحالة سواء بالإبقاء على البعثات القنصلية أو بإسناد المهام القنصلية إلى بعثة دولة ثالثة بالاتفاق بينهما.

ولهذا تجرى التفرقة بين المبعوث القنصلي والمبعوث الدبلوماسي من جوانب عديدة ترتبط بهذه الطبيعة المتميزة للمهمة القنصلية وذلك على النحو التالي:

إن المبعوث القنصلي لا يتمتع بالصفة التمثيلية الكاملة وليس له أي فرصة بخلاف المبعوث الدبلوماسي الذي يتمتع بهاتين الصفتين، وذلك لان التمثيل الدبلوماسي يتم وفقا بقواعد القانون الدولي، والمبعوث الدبلوماسي ينوب نيابة عامة عن رئيس دولته أو حكومته لدى رئيس أو حكومة الدولة المضيفة، وهو لسان دولته والمعبر عن إرادتها المضيفة.

وكذا المبعوث القنصلي يخضع لإجراءات مختلفة فيما يتعلق بالتعيين ،فإجراءات التعيين في الوظائف القنصلية تختلف عما هو متبع في الوظائف الدبلوماسية، حيث لا يجري الاهتمام بكثير من الاعتبارات التي لابد من التقيد بها في اختيار من يشغلون الوظائف الدبلوماسية، ثم إن الإجراءات المتبعة في استقبال الدولة المضفية للقناصل تختلف أيضا عن تلك المعمول بها في الحياة الدبلوماسية، لأن المبعوث القنصلي لا يحظى بنفس مكانة المبعوث الدبلوماسي، هذا فضلا عن الاختلاف في التعليمات الصادرة إلى كل من البعثتين القنصلية و الدبلوماسية.

لا يحظى المبعوث القنصلي ايضا بنفس القدر من الحصانات والامتيازات التي يمنحها القانون لأعضاء السلك الدبلوماسي، كما أن الاتصالات بالسلطات المختصة في الدولة المضيفة لا تتم بواسطة الممثل القنصلي، إذ أنه ليس له الحق في الاتصال المباشر بلك السلطات إلا في حالة عدم وجود ممثل دبلوماسي معتمد في ذلك البلد، ولا يؤثر في الاختلاف بين الوظيفيتين القنصلية والدبلوماسية ذلك الترابط القائم بينهما من الناحية العملية والذي يصل إلى حد الدمج، فعلى الرغم من أن بعض موظفي وزارة الخارجية قد يفوضون ممارسة كلا هاتين الوظيفتين معا عند الضرورة، إلا أن الدبلوماسي الذي يزود بأوراق اعتماد من دولته لابد أن يمنح إجازة قنصلية لكي يتمكن من مباشرة المهام القنصلية، وهذا ينطوي على تأكيد الاختلاف القائم بينهما.

- حدود ممارسة نشاطات البعثة القنصلية:

تنحصر نشاطات البعثة القنصلية في دائرة اختصاصها غير أنها يمكن أن تقوم في بعض الظروف بممارسة أعمالها خارج تلك الدائرة، على أن يتم ذلك بموافقة الدولة المضيفة،كما الظروف بممارسة أعمالها خارج تلك الدائرة، على أن يتم ذلك بموافقة الدولة المضيفة،كما انه يمكن أن تقوم الدولة الموفدة بتكليف بعثتها القنصلية في دولة ما بممارسة أعمال قنصلية في دولة أخرى، على أن تخطر الأولى الثانية وتحصل على موافقتها صراحة لان البعثة لا تستطيع تنفيذ مثل هذا التكليف إذا اعترضت عليه الدولة الثانية أي الدولة المضيفة.

كذلك يمكن أن تقوم البعثة القنصلية في دولة ما بإعمال قنصلية لحساب دولة ثالثة على أن توافق على ذلك الدولة المضيفة بعد أن تعلمها دولة البعثة بهذا التكليف، ويحدث على أن توافق على ذلك الدولة المضيفة بعد أن تعلمها دولة البعثة بهذا التكليف. ويحدث هذا أحيانا عندما تكون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية لدولتين صديقتين لدولة البعثة مقطوعة، وذلك لتيسير الأعمال المتعلقة برعاية مصالحهما كل لدى الثالثة.

وفي كل الأحوال على البعثة القنصلية أن تكون حريصة دائما على احترام قوانين الدولة المضيفة ونظامها السياسي وسلطتها الرسمية، والامتناع عن القيام بآي عمل يمس أمنها أو يهدد سلامتها، بعبارة أخرى على البعثة أن تراعي وهي تمارس وظائفها قوانين البلاد ولوائحها ونظمها فلا تتصرف بما يتنافي معها وتملك البعثة القنصلية الحق في الاتصال بالسلطات المحلية المختصة في دائرة اختصاصها، أما إذا أراد رئيس البعثة أن يتصل بالسلطات المركزية بخصوص أية قضية فلابد أن يتم ذلك عن طريق الممثل الدبلوماسي لدولته، إلا إذا كان الأمر يتعلق بمسالة فورية وعاجلة، أو إذا كان التمثيل الدبلوماسي لدولته، إلا إذا كان الأمر يتعلق بمسالة فورية وعاجلة، أو إذا كان التمثيل الدبلوماسي غير قائم أساسا، أو إذا كان هذا الأمر مسموحا به وفي حدود ما تقضى به قوانين الدولة المضيفة أو الاتفاقات الدولية.

 

المصادر والمراجع:

زهاق سليم، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الماستر بعنوان: الوظيفة القنصلية (دراسة في ضوء القانون الدبلوماسي المعاصر و الممارسة الجزائرية)، جامعة محمد بوضياف المسيلة، 2015/2016.

جهيد غالم، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الماستر بعنوان: نطاق و حدود الحصانة القنصلية، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2018/2019 .

صلاح الدين عامر، مقدمة لدارسة القانون الدولي العام، د.ط، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002.

منتصر سعيد حمودة، قانون العلاقات الدبلوماسية و القنصلية، ط 1، دار الفكر الجامعي، مصر، 2008.

إتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، 26/03/2003. 

القنصلية (البعثات)، الموسوعة العربية.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia